فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {ومن يسلم وجهه إلى الله} أي يخلص لله دينه ويفوض إليه أمره {وهو محسن} أي في عمله {فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخلف عهده ولا يخاف انقطاعه ويرتقي بسببه إلى أعلى المراتب والغايات {وإلى الله عاقبة الأمور} أي مصير جميع الأشياء إليه {ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور} أي لا يخفى عليه سرهم وعلانيتهم.
قوله تعالى: {نمتعهم قليلًا} أي نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا إلى انقضاء آجالهم {ثم نضطرهم} أي نلجئهم ونردهم {إلى عذاب غليظ} إلى النار في الآخرة {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد الله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد} تقدم تفسيره.
قوله تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام} قال المفسرون لما نزلت بمكة {ويسألونك عن الروح} الآية وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود وقالوا يا محمد بلغنا أنك تقول: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} أتعنينا أم قومك فقال كلا قد عنيت قالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا أوتينا التوراة فيها علم كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي في علم الله قليل وقد أتاكم الله بما إن علمتم به انتفعتم به» قالوا كيف تزعم هذا وأنت تقول: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} فكيف يجتمع علم قليل مع خير كثير فأنزل الله هذه الآية فعلى هذا تكون هذه الآية مدنية وقيل إن اليهود أمروا وفد قريش أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولوا له ذلك وهو بمكة وقيل إن المشركين قالوا إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع فأنزل الله تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام} أي بريت أقلامًا وقيل بعدد كل شجرة قلم {والبحر يمده} أي يزيده وينصب إليه {من بعده سبعة أبحر} أي مدادًا والخلائق يكتبون به كلام الله {ما نفدت كلمات الله} لأنها لا نهاية لها {إن الله عزيز حكيم}.
قوله تعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} أي إلا كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء {إن الله سميع} أي لأقوالكم {بصير} بأعمالكم {ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق} يعني ذلك الذي هو قادر على هذه الأشياء التي ذكرت هو الحق المستحق للعبادة {وأن ما يدعون من دونه الباطل} يعني لا يستحق العبادة {وأن الله هو العلي} يعني في صفاته له الصفات العليا والأسماء الحسنى {الكبير} في ذاته أنه أكبر من كل كبير.
قوله تعالى: {ألم تر أن الفلك} يعني السفن والمراكب {تجري في البحر بنعمة الله} يعني ذلك من نعمة الله عليكم {فيريكم من آياته} يعني من عجائب صنائعه {إن في ذلك لآيات لكل صبار} يعين على ما أمر الله {شكور} لإنعامه {وإذا غشيهم موج كالضلل} يعني كالجبال وقيل كالسحاب شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها {دعو الله مخلصين له الدين} معناه أن الإنسان إذا وقع في شدة ابتهل إلى الله بالدعاء وترك كل من عداه ونسي جميع ما سواه فاذا نجا من تلك الشدة فمنهم من يبقى على تلك الحالة وهو المقتصد وهو قوله تعالى: {فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد} يعني عدل موفٍ في البر بما عاهد عليه الله في البحر من التوحيد والثبوت على الإيمان وقيل نزلت في عكرمة بن أبي جهل وذلك أنه هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمة: لئن أنجانا الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه سلم ولأضعن يده في يدي فسكت الريح ورجع عكرمة إلى مكة وأسلم وحسن إسلامه ومنهم من لم يوف بما عاهد وهو المراد بقوله: {وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار} يعني غدار {كفور} يعني جحود لأنعمنا عليه.
قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم} يعني خافوا ربكم {وأخشوا} يعني وخافوا {يومًا لا يجزي} يعني لا يقضي ولا يغني {والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا} قيل معنى الآية إن الله ذكر شخصين في غاية الشفقة والمحبة وهما الوالد والولد فنبه بالأعلى على الأدنى وبالأدنى على الأعلى فالوالد يجزي عن ولده لكمال شفقته عليه والولد يجزي عن والده لما له من حق التربية وغيرها فإذا كان يوم القيامة فكل إنسان يقول نفسي ولا يهتم بقريب ولا بعيد كما قال ابن عباس كل امرىء تهمه نفسه {إن وعد الله حق} قيل إنه تحقيق اليوم معناه اخشوا يومًا هذا شأنه وهو كائن بوعد الله به ووعده حق وقيل الآية تحقيق بعدم الجزاء يعني لا يجزي والد عن ولده في ذلك اليوم والقول الأول أحسن وأظهر {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} يعني لأنها فانية {ولا يغرنكم بالله الغرور} يعني الشيطان: قال سعيد بن جبير يعمل بالمعاصي ويتمنى المغفرة.
قوله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة} الآية نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال إن أرضنا أجدبت فقل لي متى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى فمتى تلد ولقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت فأنزل الله هذه الآية.
ق عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتيح الغيب خمس {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}» ومعنى الآية إن الله عنده علم الساعة فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة في أي سنة أو أي شهر أو أي يوم ليلًا أو نهارًا {وينزل الغيث} فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلًا أو نهارًا إلا الله {ويعلم ما في الأرحام} أذكر أم أنثى أحمر أم أسود تام الخلقة أم ناقص {وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا} من خير أو شر {وما تدري نفس بأي أرض تموت} يعني ليس أحد من الناس يعلم أين مضجعه من الأرض في بر أو بحر في سهل أو جبل {إن الله عليم} يعني بهذه الأشياء وبغيرها {خبير} أي ببواطن الأشياء كلها ليس علمه محيطًا بالظاهر فقط بل علمه محيط بالظاهر والباطن قال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مصطفى فمن ادعى أنه يعلم شيئًا من هذه الأمور فإنه كفر بالقرآن لأنه خالفه والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال النسفي:

{وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله} عدّي هنا ب إلى، وفي {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّه} [البقرة: 112] باللام فمعناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالمًا لله أي خالصًا له، ومعناه مع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه والمراد التوكل عليه والتفويض إليه {وَهُوَ مُحْسنٌ} فيما يعمل {فَقَد استمسك} تمسك وتعلق {بالعروة} هي ما يعلق به الشيء {الوثقى} تأنيث الأوثق مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه {وإلى الله عاقبة الأمور} أي هي صائرة إليه فيجازي عليها {وَمَن كَفَرَ} ولم يسلم وجهه لله {فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} من حزن، {يُحزنك} نافع من أحزن أي لا يهمنك كفر من كفر {إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بمَا عَملُوا} فنعاقبهم على أعمالهم {إنَّ الله عَليمٌ بذَات الصدور} إن الله يعلم ما في صدور عباده فيفعل بهم على حسبه.
{نُمَتّعُهُمْ} زمانًا {قَليلًا} بدنياهم {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} نلجئهم {إلى عَذَابٍ غَليظٍ} شديد شبه إلزامهم التعذيب وإرهاقهم إياه باضطرار المضطر إلى الشيء، والغلظ مستعار من الأجرام الغليظة والمراد، الشدة والثقل على المعذب {وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله قُل الحمد للَّه} إلزام لهم على إقرارهم بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر وأن لا يعبد معه غيره.
ثم قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك يلزمهم وإذا نبهوا عليه لم يتنبهوا {للَّه مَا في السماوات والأرض إنَّ الله هُوَ الغنى} عن حمد الحامدين {الحميد} المستحق للحمد وإن لم يحمدوه.
قال المشركون: إن هذا أي الوحي كلام سينفذ فأعلم الله أن كلامه لا ينفذ بقوله: {وَلَوْ أَنَّمَا في الأرض من شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ من بَعْده سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفدَتْ كلمات الله} والبحر بالنصب أبو عمرو ويعقوب عطفًا على اسم إن وهو ما، والرفع على محل إن ومعمولها أي ولو ثبت كون الأشجار أقلامًا وثبت البحر ممدودًا بسبعة أبحر، أو على الابتداء والواو للحال على معنى: ولو أن الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدودًا وقرىء يُمدّهُ وكان مقتضى الكلام أن يقال: ولو أن الشجر أقلام والبحر مداد، لكن أغنى عن ذكر المداد قوله: {يمده} لأنه من قولك: مد الدواة وأمدها جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادًا فهي تصب فيه مدادها أبدًا صبًا لا ينقطع.
والمعنى: ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته وتفدت الأقلام والمداد كقوله: {قُل لَّوْ كَانَ البحر مدَادًا لكلمات رَبّى لَنَفدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى} [الكهف: 109] فإن قلت: زعمت أن قوله: {والبحر يمده} حال في أحد وجهي الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال.
قلت: هو كقولك جئت والجيش مصطف وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف.
وإنما ذكر شجرة على التوحيد لأنه أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا وقد بريت أقلامًا، وأوثر الكلمات وهي جمع قلة على الكلم وهي جمع كثرة لأن معناه أن كلمات لا تفي بكتبتهالبحار فكيف بكلمه {أَنَّ الله عَزيزٌ} لا يعجزه شيء {حَكيمٌ} لا يخرج من علمه وحكمته شيء فلا تنفد كلماته وحكمه.
{مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} إلا كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة فحذف للعلم به أي سواء في قدرته القليل والكثير فلا يشغله شأن عن شأن {إنَّ الله سَميعٌ} لقول المشركين إنه لا بعث {بَصيرٌ} بأعمالهم فيجازيهم.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولجُ الليل في النهار} يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار إذا أقبل الليل {وَيُولجُ النهار في الليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر} لمنافع العباد {كُلٌّ} أي كل واحد من الشمس والقمر {يَجْرى} في فلكه ويقطعه {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى يوم القيامة أو إلى وقت معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر {وَأَنَّ الله بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ} وبالياء: عياش.
دل أيضًا بتعاقب الليل والنهار وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين في فلكيهما على تقدير وحساب وبإحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وكمال حكمته {ذلك بأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} بالياء: عراقي غير أبي بكر {من دُونه الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير} أي ذلك الوصف الذي وصف به من عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون، فكيف بالجماد الذي يدعونه من دون الله! إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت الإلهية وأن من دونه باطل الإلهية وأنه هو العلي الشأن الكبير السلطان.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك} وقريء {الفلك} وكل فُعْل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فُعُل فُعْل {تَجْرى في البحر بنعمت الله} بإحسانه ورحمته أو بالريح لأن الريح من نعم الله {ليُريَكُمْ مّنْ ءاياته} عجائب قدرته في البحر إذا ركبتموها {إنَّ في ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ} على بلائه {شَكُورٍ} لنعمائه، وهما صفتا المؤمن فالإيمان نصفان: نصفه شكر ونصفه صبر فكأنه قال: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن.
{وَإذَا غَشيَهُمْ} أي الكفار {مَّوْجٌ كالظلل} الموج يرتفع فيعود مثل الظلل والظلة كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما {دَعَوُا الله مُخْلصينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نجاهم إلَى البر فَمنْهُمْ مُّقْتَصدٌ} أي باقٍ على الإيمان والإخلاص الذي كان منه ولم يعد إلى الكفر، أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر يعني أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط والمقتصد قليل نادر {وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا} أي بحقيقتها {إلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ} غدار والختر أقبح الغدر {كَفُورٌ} لربه {يا أيّها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْمًا لاَّ يَجْزى وَالدٌ عَن وَلَده} لا يقضي عنه شيئًا والمعنى لا يجزيء فيه فحذف {وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالده شَيْئًا} وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه لأن الجملة الاسمية آكد من الجملة الفعلية وقد انضم إلى ذلك قوله: {هو} وقوله: {مولود} والسبب في ذلك أن الخطاب للمؤمنين وعليتهم قبض آباؤهم على الكفر فأريد حسم أطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة في الآخرة.
ومعنى التأكيد لفظ المولود أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته فضلًا أن يشفع لأجداده إذ الولد يقع على الولد وولد الولد بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك كذا في الكشاف {إنَّ وَعْدَ الله} بالبعث والحساب والجزاء {حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا} بزينتها فإن نعمتها دانية ولذتها فانية {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} الشيطان أو الدنيا أو الأمل.
{إنَّ الله عندَهُ علْمُ الساعة} أي وقت قيامها {وَيُنَزّلُ} بالتشديد: شامي ومدني وعاصم، وهو عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل تقديره: إن الله يثبت عنده علم الساعة وينزل {الغيث} في إبّانه من غير تقديم ولا تأخير {وَيَعْلَمُ مَا في وَأُوْلُو الأرحام} أذكر أم أنثى وتام أم ناقص {وَمَا تَدْرى نَفْسٌ} برة أو فاجرة {مَّاذَا تَكْسبُ غَدًا} من خير أو شر وربما كانت عازمة على خير فعملت شرًا وعازمة على شر فعملت خيرًا {وَمَا تَدْرى نَفْسٌ بأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} أي أين تموت؟ وربما أقامت بأرض وضربت أوتادها وقالت لا أبرحها فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها.
روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه فقال الرجل: من هذا؟ فقال له: ملك الموت.
قال: كأنه يريدني وسأل سليمان عليه السلام أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ففعل ثم قال ملك الموت لسليمان: كان دوام نظري إليه تعجبًا منه لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك.
وجعل العلم لله والدارية للعبيد لما في الدارية من معنى الختل والحيلة، والمعنى أنها لا تعرف وإن أعملت حيلها ما يختص بها ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته، فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان معرفة ماعداهما أبعد وأما المنجم الذي يخبر بوقت الغيث والموت فإنه يقول بالقياس والنظر في الطالع وما يدرك بالدليل لا يكون غيبًا على أنه مجرد الظن والظن غير العلم.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «مفاتح الغيب خمس» وتلا هذه الآية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من ادّعى علم هذه الخمسة فقد كذب.
ورأى المنصور في منامه صورة ملك الموت وسأله عن مدة عمره فأشار بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنوات وبخمسة أشهر وبخمسة أيام فقال أبو حنيفة رضي الله عنه: هو إشارة إلى هذه الآية، فإن هذه العلوم الخمسة لا يعلمها إلا الله {إنَّ الله عَليمٌ} بالغيوب {خَبيرٌ} بما كان ويكون.
وعن الزهريّ رضي الله تعالى عنه: أكثروا قراءة سورة لقمان فإن فيها أعاجيب والله أعلم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَمَن يُسْلمْ وَجْهَهُ إلَى الله}.
بأن فوض أمره إليه وأقبل بشراشره عليه من أسلمت المتاع إلى الزبون، ويؤيده القراءة بالتشديد وحيث عدى باللام فلتضمن معنى الإخلاص. {وَهُوَ مُحْسنٌ} في عمله. {فَقَد استمسك بالعروة الوثقى} تعلق بأوثق ما يتعلق به، وهو تمثيل للمتوكل المشتغل بالطاعة بمن أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلي منه. {وإلى الله عاقبة الأمور} إذ الكل صائر إليه.